لوثة الطابور الخامس
يمنات
لطف الصراري
كلما طالت فترة الحرب، تزايد منسوب التلوّث الإنساني وتوسعت دائرته في الحياة العامة. ينطبق هذا على اليمن مثلما انطبق على اسبانيا حين ظهر مصطلح «الطابور الخامس» فيها لأول مرة. ربما ليس من الحكمة تعميم هذا القول كقانون طبيعي لمآلات الحرب، بقذارتها وإكراهاتها والخيارات المتاحة لإنهائها. غير أن لوثة «الطابور الخامس» التي تعالى ضجيجها أخيراً في اليمن، تستدعي بعض المراجعة؛ سواء حول التسمية أو استخدامها كتهمة مرادفة للخيانة الوطنية ضد شريحة واسعة من الشعب، في الوقت الذي لم يعد باستطاعته تحمل تداعيات الحرب أكثر مما يفعل.
تفيد موسوعة «ويكيبيديا» بأن الجنرال الإسباني، أميليو مولا، هو من أطلق التسمية أثناء الحرب الأهلية الإسبانية، وكان يقصد بها المؤيدين لفرانكو في مدريد. كانت المدينة محاطة بأربعة طوابير من المقاتلين القوميين، وقال مولا: لدينا طابور خامس داخل مدريد. منذ ذلك الحين، ازدهرت العمالة السرية، حسب التعريف المقتضب للمصطلح في الموسوعة المتاحة لأي إضافة أو تعديل.
في الواقع، تاريخ الحروب مليء بالعملاء السريين، الذين غالباً ما يعملون لصالح الطرف المرابط على تخوم العواصم لإسقاطها. وحين استعصى على فرانكو إسقاط مدريد بسرعة ثورية متحمسة، أطلق أحد قادته اسماً لافتاً على مؤيديه من سكان العاصمة.
في إسبانيا قال مولا: لدينا «طابور خامس» يؤيدنا داخل مدريد، لكي يتمكن معسكره من تنظيم مؤيديه عن بعد، بينما قال عبد الملك الحوثي: هناك «طابور خامس» يخوننا من الداخل، دون أن يعرف ما يمكن لتعميم تهمة كهذه أن تكسب جماعته من عداء شعبي.
سيطرت جماعة «أنصار الله» الحوثيين على الحكم عبر انقلاب متدرج استغرق أكثر من أربعة أشهر لتمويه ملامحه، وثلاثة مطالب حملت وعداً بتخفيض أسعار المشتقات النفطية وتشكيل ضغط شعبي على الحكومة لرعاية مصالح المواطن أولاً. كيفما كانت مؤسسات الدولة قبل العام 2015، فما تبقى منها الآن ليس أكثر من بيت عنكبوت؛ بدأ الأمر بشركة النفط ولم يتوقف عند المؤسسة القضائية.
أياً كان ما أفرزته الحرب من تبعات اقتصادية على سلطة صنعاء، فهي غير معفية من توفير الخدمات الأساسية للمواطنين، على الأقل سكان المناطق الخاضعة لسيطرتها.
لا يجدر بسلطة تدير الدولة ومقدراتها أن تكتفي بمطالبة مواطن جائع، بالصمود وربط بطنه وبطون أطفاله شهراً بعد آخر وسنة بعد أخرى، حتى إذا كانت تواجه حرباً طويلة الأمد. جوع المواطن اليمني لن يهزم السعودية ولن يفك الحصار؛ وفي الوقت الذي يتم قمع أي صوت يصرخ من الجوع، يعيد إعلام حكومة صنعاء نشر التقارير التحذيرية من تزايد أعداد الجوعى في البلاد.
كيف تؤمّن بعد التقارير الدولية التي تحذر من جوع شعبك، ثم تقمع أي صوت يطالبك بتوفير لقمة عيش بالحد الأدنى. كانت مرتبات الموظفين الحكوميين تؤمّن دورة معيشية بالحد الأدنى، ويستفيد منها جميع المواطنين الذين تعايشوا مع الحد الأدنى من كل أسباب الحياة. أكثر من سبعين مليار ريال يتم تداولها في السوق المحلية؛ هل فكّر أحد من المتحمسين لمصطلح الطابور الخامس، ماذا يعني استمرار غياب 70 مليار ريال عن التداول في السوق المحلية لسبعة أشهر على التوالي..؟ المرتبات هي شريان الحياة الأخير بالنسبة للمواطنين، وعدم صرفها لا يقل فداحة بالنسبة لهم من إغلاق ميناء الحديدة، إذ ما الذي يفعلوه بسلعة لا يستطيعون شراءها.
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا